الشرطي السفاح
.
في قصة السفاح ميخائيل بوبكوف سنعرف أن
القاتل قد يكون على مقربة منا دون أن نلاحظه
, قد يكون زوجا طيبا , وأبا متسامحا رحيما ,
محبا لعمله , مرضيا عنه من رؤسائه وأصدقائه ,
ورغم ذلك يرتكب سرا ما يندى له الجبين ,
وترتعد له القلوب والعقول .
لكل منا حياته السرية التي لا يشاركه فيها أحد
حتى أقرب الأقربين , وآراؤه التي يحتفظ بها
لنفسه , وخيالاته العابرة التي لا يلقي لها انتباها
, ودفاتره التي لا يحب أحدا أن يطلع على
أسرارها ومكنوناتها , ومشاعرنا التي تتكرر ثم
تزول ثم تأتي مرة أخرى بلا استئذان وبصورة
خافتة دون أن يحس بها أحد ممن حولنا , ولكن
بعضنا كـ بوبكوف تتسع حياته السرية لارتكاب
كل المحظورات التي يأباها العقل السليم ,
وتتسع لأجساد بريئة لم ترتكب خطيئة سوى أن
القدر رمى بها في طرق أولئك القتلة الذين لا
يرحمون ولا يعذرون
ولد ميخائيل بوبكوف سنة 1964 , وعمل في
الشرطة قبل أن يعمل كحارس شخصي , متزوج
ولديه ابنة , وتعمل زوجته في الشرطة أيضا ,
وهي التي كانت تدافع عنه , وتكتب العرائض
التي تنفي عنه التهم التي كثيرا ما حومت حوله
. فبعض الناجيات من قبضته التي لا ترحم ,
قدمن أوصافا دقيقة عن رجل شرطة حملهن
ليلا في سيارة تابعة للبوليس , وعرج إلى إحدى
الغابات , انطلق في الظلام , ثم كشف عن وجهه
الخفي , ورغبته الدموية في القتل , في تمزيق
الأجساد بطريقة جنونية .
ارتكب جرائمه بين عامي 1992 -2000
وبلغت تلك الجرائم ما لا يقل عن 29 ضحية من
النساء , وكان هناك شك سيثبت لاحقا أنه قتل
المزيد في مدن أخرى عندما تخلى عن عمله في
الشرطة وأصبح حارسا أمنيا في شركة أنجرسك
للزيوت والكيماويات ثم تاجر سيارات . كان
يفضل التجوال في سيارته ليلا , وأن يحدد
ضحيته بدقة , وأن يقوم بمراقبتها من أول
الليل حتى تلك اللحظة التي تفتح باب سيارته
وتجلس بقربه وهي في قمة نشوة الخمر . وكان
يفضل أن يحمل في سيارته نساء خارجات
لتوهن من البارات أو نساء حضرن حفلات ليلية
صاخبة وكان لا يتورع أن يحمل في المرة
الواحدة امرأتين معا , أو امرأة وحيدة تترنح
في الطريق دون أن تتنبه أن في تلك السيارة
القابعة في الظلام قاتل متسلسل يراقبها ويكاد
يقترب منها . ثم بعد ذلك يذهب بضحيته إلى
مكان معزول في الغابة حيث يقوم بقتلها بكل
شراسة ثم يغتصبها ويلوذ بالفرار .
كان يفضل التجوال في سيارته ليلا , وأن يحدد ضحيته بدقة
في إحدى جرائمه قام بفصل رأس الضحية
تماما عن جسدها , وفي جريمة أخرى تجرأ على
نزع القلب من مكانه , وفي جريمة أخرى شوه
الوجه إلى درجة مخيفة . كان يطلب من
الضحية أن تخلع ملابسها تماما في الليالي
الباردة ووسط أكوام الجليد الهابط , ولعل
بعضهن لم يكن يشعرن بالبرد لشدة سكرهن , ولا
يتوقعن الموت الدامي وهن يترنحن ويحاولن
الكلام . يقوم بهجومه عادة بسكين أو فأس أو
مفك براغي ويعيث فسادا في الجسد أمامه ,
وعندما تتخبط ضحيته في الدماء , وتلفظ
أنفاسها يقوم بالاعتداء الجنسي عليها وسط
بركة من الدم . إحدى الضحايا نجت من هجومه
بطريقة لا تصدق , وتعرفت على صورته بعد
ذلك , وقدمت أوصافا كاملة عن ملامحه ,
وسيارته , وطريقته في القتل , ولكن الشرطة
صدقت زوجة بوبكوف التي قدمت دفاعا عنه
بحكم عملها في جهاز الشرطة , فحفظت
القضية دون مواصلتها . ثم فجأة توقف عن
القتل كما يحدث أحيانا من بعض القتلة
المتسلسلين الذين يموتون أو يفقدون بكبر
السن أو المرض لذة القتل الجنسي أو تحدث
لهم تحولات نفسية وعقلية تمنعهم من مواصلة
المشوار حتى النهاية , ورغم ذلك كانت الأدلة
الدامغة تحوم حول القاتل لأكثر من عشر
سنوات , فتقلق مضجعه , وتهدده بانكشاف
أسراره . الشك يحوم حوله بقتل 29 امرأة , 25
منهن كانت أعمارهن بين 19 إلى 28 وأربعة
منهن بين 35و 40 وكل الضحايا من منطقته
التي عاش فيها وهي أنجرسك ومنطقة
ايكوتسك في سيبيريا , ولم يعترف إلا بـ 24
جريمة , أدين بها بعد ذلك في عام 2013
كان يختار نساء ممتلئات الأجساد , قصيرات
القامة , كما تقول مصادر الشرطة , ويفضل
النساء شبه المخمورات من النوادي الليلية .
بعض الخبراء يعتقدون أنه أيضا ارتكب جرائم
أخرى في فيلادوفستك التي سافر إليها كثيرا
بعد أن تخلى عن عمله في الشرطة , وأن تلك
الجرائم التي وقعت في تلك ا لمدينة , ولا
تفسير لها , إنما وقعت على يديه , ولكن لم
يستطع أحد أن يجد أي براهين تقود إليه . أحد
المخبرين الذين كانوا يقتفون أثره , ويحاولون
الإيقاع به , أطلق عليه لقب المستذئب , أما
الشرطة فقد أطلقت عليه لقب قاتل يوم الأربعاء
لأن معظم أجساد ضحاياه وجدت في ذلك اليوم
.
جريمته الأولى حدثت بلا أي مقدمات , كانت
تلقائية للغاية , هكذا أخبر بوبكوف المحققين :
" شعرت فقط بأنني أريد أن أقتل تلك المرأة
التي كنت أوصلها بالسيارة " ومنذ تلك اللحظة
لم يتوقف عن القتل ولم يتوقف عن الاغتصاب
وتشويه أجساد ضحاياه وهو الزوج الذي كان
يقوم بكل واجباته والأب المثالي لابنته كاترينا
26 سنة التي تعمل معلمة في إحدى مدارس
انجرسك , ورغم ذلك كان يقتل ضحاياه بعقدة
حبل يربطه بطريقة منزلقة , ويخنق الضحية
حتى الموت , وفي إحدى المرات ضرب بفأسه
إحدى الضحايا 17 مرة بلا توقف . زميل سابق
في البوليس قال : " عندما قرأت عنه في
الصحف ندمت بشدة كوني كنت أعمل معه جنبا
إلى جنب وكنت أظن أنني أعرفه جيدا , كان
رجلا طبيعيا جدا , وفي مرة أثناء أداء عملنا
كشرطيين أطلق النار على مغتصب أثناء اعتقاله
. كان هناك بالطبع تحري في القضية , ولكنه لم
يعاقب , رؤساؤنا اعتقدوا أن تصرفه كان سليما
. وقالت فيكتوريا أخت إحدى المغدورات : "
أتذكره في أنجرسك كرجل طويل رشيق , كان
دائما لوحده , أتذكر نظرته الغامضة المراوغة " .
الأدلة الرئيسية جاءت من هجوم فاشل على
فتاة اسمها اسفيتلانا وهي في الـ 15 من العمر ,
ولكنها كانت تبدو أكبر من عمرها كما قالت
الشرطة . ولعل عمرها الفتي هو الذي أنقذها من
مخالب هذا السفاح . ففي يوم 26 يناير 1998
حكت اسفيتلانا عن سيارة شرطة توقفت بقربها
, وطلب منها السائق أن تركب ليوصلها , فتحت
الباب , وجلست إلى جانبه , وانطلقت السيارة ,
تجوب الأمكنة , ثم عرجت إلى منطقة غابية
خالية , وهناك أمرها أن تخلع جميع ملابسها ,
بعد ذلك ضرب رأسها بقوة على جذع شجرة
ففقدت الوعي . في اليوم التالي وجدت بالقرب
من قرية بايكاليسك , عارية , في درجة حرارة
ما دون الصفر , في المستشفى فتحت عينيها ,
ولا يعرف أحد كيف استطاعت النجاة من القاتل
أولا الذي تركها وحيدة بعد أن ظن أنها ميتة
وثانيا كيف عاشت في درجة حرارة عالية
كحرارة تلك الليلة . لعلها عاشت لتدلي بأقوالها
التي حولت القضية تماما . ولعدة سنوات لاحقة
كانت الشرطة تعتقد أن الجاني ربما كان أحد
عمال المعادن , أو سائق , أو عامل في السكة
حديد , أو مهندس في محطات التدفئة أو حتى
عامل من عمال حفر المقابر , ولم يفهموا إطلاقا
أن المجرم قد يكون أحد رجال الشرطة نفسها
إلا لاحقا . وعلى الرغم من أن زوجته وقفت
بجانبه مرتين عندما حامت حوله شبهات قوية
وكتبت عرائض تبرئة له ولذلك لم يظن أحد
بتواطؤ أسرته معه في جرائمه .
إحدى ضحاياه نقلت إليه عدوى مرض الزهري
وسبب له ذلك عجزا جنسيا جعله يتوقف عن
القتل ومع أن البوليس كان يعلم أن إحدى
الضحايا كانت مصابة بالمرض إلا أن التحري لم
يتطرق لتلك الحادثة . فقدت سفيتلانا الوعي
بعد إصابات بالغة في رأسها ولكن لم يفتح
البوليس تحريا لفترة طويلة رغم طلبات
متعددة من أم المجني عليها . استيقظت في
المستشفى بمعجزة , وبعد أن تعافت قليلا ,
واستطاعت الكلام , أعطت تفاصيل كاملة عن
مغتصبها رجل الشرطة وسيارته التي أراد أن
يوصلها بها إلى البيت . عرضت عليها صورة له ,
فأكدت بدون شك أنها صورته , ولكن مرة أخرى
وقف البوليس عاجزا أمام دفاعات زوجة القاتل
التي تعمل ضمن جهاز الشرطة . الرجل الذي كان
يقوم بالتحري كان على قناعة تامة أن الكثير
من الجرائم الغامضة في ملفات الشرطة يمكن
أن تكون جرائم ارتكبها بوبكوف رجل الشرطة
لأن الكثير من التفاصيل التي وجدت في مسرح
كل جريمة كانت تتطابق مع طريقة عمله
كانت الشرطة تعتقد أنه أوقف القتل في عام
2000 بعد أن أصبح عاجزا جنسيا لإصابته
بمرض الزهري , ولكن اتضح مؤخرا أنه واصل
القتل إلى عام 2010 , وبذلك تصل فترة تركه
طليقا ليمارس القتل إلى 18 عاما بدأت مباشرة
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي , ولقد اعترف
مؤخرا في هذا العام 2017 بجرائم أخرى
حددها بـ 59 حالة , وكان قد أوحى للمحكمة
من قبل أثناء محاكمته الأولى في محكمة جوار
مدينة انجرسك حيث وقعت معظم الجرائم ,
بأن هناك أعدادا أخرى من القتلى المجهولين ,
فعندما سأله القاضي عن عدد النساء اللائي
قتلهن , هز كتفيه , وقال بأنه لا يعرف بالضبط
العدد الصحيح فهو لا يحتفظ بسجلات , ثم
بثبوت جرائمه الجديدة عليه التي يفصح عنها
شيئا فشيئا سيصل عدد ضحاياه إلى 81 ضحية
حدد عدد 25 ضحية تبحث فيها الشرطة الآن
بعد ظهور أدلة دامغة وتحريات مؤكدة ,
وسيواجه السفاح المحكمة مرة أخرى