إستهتار (1)
ضحك هاني بصوت عال وهو يقول :
" أنا لا أخاف من أي شيء وأنت تعرف هذا جيدا ... أريد أن أرى تلك العفاريت التي يتحدثون عنها ... أريد أن ألقاها لأجعلها تعرف من منا الأقوى " .
ضحك صديقه قائلا :
" أخشى إذا قابلت واحدا منها أن تعرف أنك لست الأقوى " .
كانت تلك - كالعادة - جلستهم التي اعتادوا أن يقيموها كل ليلة في منزل هاني ، يجتمع فيها كل الشلة ، شبابا وفتيات يستمعون إلى أحدث ألبومات الموسيقى ويرقصون على أنغامها ويتبادلون الحكايات والألعاب المختلفة ، وأكثر .
قال هاني :
لقد أحسست بالملل من كل المغامرات الفارغة التي نقوم بها .. نريد شيئا مختلفا هذه المرة .. نريد أن نقوم بمغامرة نشعر فيها بالرعب الحقيقي والإثارة .. نريد أن ندخل إلى أماكن لم يدخلها أحد من قبلنا " .
قالت إحدى الفتيات :
" هل تريد أن ترى أحد تلك العفاريت التي نحكي لك عنها ؟ "
رد هاني باستهتار :
" نعم أريد ، هل تعرفين مكان إحداها ؟ "
قالت :
" نعم .. في المقابر قرب الطريق الزراعي ، هناك مكان قالت لي إحدى صديقاتي إنها كانت مع صديقها هناك في سيارته وقابلوا أحد الأشباح هناك ، وكاد يحطم زجاج السيارة فخرجوا من المكان فزعين وحكت لي ما حدث .. لذلك .. إذا كانت لديك الشجاعة الكافية أن تذهب إلى هناك ، فأنا على استعداد أن أرشدك إلى المكان " .
ضج المكان بالضحك عندما شحب لون هاني قليلا .. سكب ما في كأسه من شراب في فمه قام على الفور إليها .. امسك يدها وقال لها :
" هيا إذن .. "
التفت إلى أصحابه قائلا :
من منكم يريد مرافقتي إلى هناك ؟ "
تردد الشاب قليلا ثم قال أحد الأصدقاء :
" أنا أرافقك إلى هناك .. أنا لا أخاف شيئا مثلك تماما " .
أخذ هاني السيارة مع صديقته ياسمين وصديقه ، وذهبوا إلى المكان الذي أرشدته إليه الصديقة ، جلسوا في السيارة قليلا ولم يحدث أي شيء ، كان المكان مظلما جدا في الساعات الأخيرة من الليل ، و موحشا جدا ، ولم لا وهو بجوار المقابر والمكان بالطبع غير مأهول بالأحياء ؟
كان الجميع متوترين من الحكاية التي حكتها ياسمين لهم في أثناء الذهاب إلى المكان ، قالت لهم :
" كانت مع صديقها هناك في وقت مقارب لهذا الوقت ، وكانا يجلسان في السيارة والأبواب مغلقة ، والشبابيك كذلك ، وبعد فترة قصيرة من الوقت وجدوا الحجارة تلقى على سقف سيارتهم ، وكأن هناك من يقذفهم بها .. في البداية ظنا أن هناك شخصا ما ، لا يريد تواجدهما في ذلك المكان أو أنه قد استفزه سلوكهما في السيارة " وضحكت ثم أضافت :
" أضاء صديقها السيارة وأخذ يتلفت حوله لكنه لم يجد شيئا .. فلم يهتم بالأمر ، توقفت الحجارة لكن بعد فترة بسيطة جدا شعرا بالسيارة تهتز بشدة كأن هناك من يحاول انتزاعها من فوق الأرض ، فزعا بشدة وقام الشاب بالخروج من السيارة بعد أن أخذ في يده أحد المفاتيح التي يستخدمها في تغيير إطارات السيارة ، لكنه لم يجد أي شيء بالخارج ، دار حول السيارة التي كانت مازالت تهتز بعنف والفتاة تصرخ بداخلها ، لكنه لم يجد شيئا ، فدخل إلى السيارة مسرعا وأغلق الباب ، وعندما حاول إدارة محرك السيارة لم يفلح في ذلك لبعض الوقت ، "
" ظل يحاول إدارة محرك السيارة للخروج بها من هذا المكان ، وصديقتي تصرخ فيه أن يسرع بالخروج ، لكنه لم يفلح إلا بعد فترة من الوقت بدت لهما كأنها أبدا ممتدا ، وفي أثناء خروجه مسرعا من المكان ، أصاب الزجاج الخلفي للسيارة حجر ، فأدى إلى تهشمه تماما مما زاد من صراخ الفتاة الذي تحول إلى صراخ هستيري ، والغريب أنهما عندما وصلا إلى مكان مأهول بالناس ، وجدا الزجاج الخلفي للسيارة سليما ولا يوجد أي أثر للحجارة على جسم السيارة ، على الرغم من أن الشاب كان متأكدا من أن كل هذه الحجارة التي ألقيت فوق سيارته ، لابد أن تكون قد أصابت جسم السيارة غالية الثمن بالخدوش والانبعاجات " .
صمتت الفتاة قليلا لترى أثر كلامها على وجه صديقيها .
نظر الصديقان لبعضهما بعضا بخوف ، لكن هاني قال بعد فترة الصمت :
" هذا لا يؤكد وجود شبح أو غيره ، ربما كما قلت من قبل هناك من استفزه سلوكهما في السيارة ، فأراد أن يلقنهما درسا ، خاصة أن المقابر تقع بالقرب من الأراضي الزراعية ما يعني وجود مزارعين هنا ، و كما تعلمين فإن المزارعين لا يفكرون مثلنا ولا يعرفون الحياة الحرة التي نعرفها نحن خاصة مع سفر الأهل إلى الخارج وحياتنا في منازل خالية من كل منغصات وتحكمات الأهل وأوامرهم " .
ردت ياسمين :
" ربما يكون ما تقوله صحيحا إلى حد ما ، لكن الشاب لم يجد أي شيء في خارج السيارة ، والمهم أنهما قررا ألا يحضرا إلى ذلك المكان مرة أخرى أبدا " .
طالت فترة الصمت هذه المرة وعندما قرر هاني الخروج بالسيارة من المكان ، فوجىء بالحجارة تنهمر على سقف سيارته وجوانبها ، صرخت ياسمين بصوت مرتفع من الرعب .
أضاء هاني أنوار السيارة الخلفية والأمامية ، وأدار الأصدقاء عيونهم حول السيارة ؛ علهم يعرفون مصدر الحجارة ، لكنهم لم يروا شيئا ، فقام هاني على الفور بمحاولة إدارة محرك السيارة للخروج من المكان ، لكنه لم يفلح في ذلك تماما كما قالت ياسمين من قبل .
اهتزت السيارة بعنف كأنها قد أصيبت بالجنون وظلت ياسمين تصرخ ، لكن هاني نهرها بشدة قائلا :
" اصمتي ، ربما صوتك هو ما يجذب هذا الشيء ، أيا كان ، اصمتي وإلا ألقيتك هنا وخرجت من المكان " .
نظرت إليه الفتاة في فزع شديد ووضعت يدها فوق فمها لتمنع نفسها من الصراخ ، فيما كان هاني يحاول إدارة محرك السيارة ، وبعد فترة بدت لهما كأنها دهر ، دارت السيارة أخيرا وخرجوا مسرعين من المكان دون النظر خلفهم .
عند عودتهم إلى باقي الشلة ، كان ثلاثتهم في حالة سيئة جدا من الخوف والرعب ، وحكى الجميع ما حدث لتنقلب الحكاية إلى السخرية الشديدة منهم .
قال أحد الشباب :
" فزعتم جميعا ، لو كنت معكم كنت خرجت إلى هذا الشيء ولقنته درسا في القورة ، وعلمته كيف يكون الخوف الحقيقي " .
قالت إحد الفتيات :
" لماذا لم تطلب من ذلك الشيء أن ينضم إليكم في السيارة ليستمتع معكم ؟ "
قالت أخرى :
إنه بالتأكيد شخص ما ، لا يريد لأحد الوجود في ذلك المكان أو ربما عدة أشخاص ، عصابة مثلا لا تريد لأحد أن يتواجد في مقرها حتى لا يعرف وجودها أي شخص " .
قال آخر :
" نعم كلنا يعرف أن المقابر هى الأماكن المفضلة للعصابات ومسجلي الخطر ، لأنها أماكن غير مأهولة ولا أحد يستطيع دخولها في اليل خاصة في الليالي المظلمة مثل الليلة " .
قال آخر :
" أنتم كان لديكم فكرة سخيفة عما سيحدث ، ربما أنكم تخيلتم ما حدث خاصة أن السيارة لا يوجد بها أي أثار لأي شيء مما قلت ! "
قال آخر :
" نعم كل هذا كان كجرد تخيل ، هلوسة جماعية ولا تنسوا كمية البيرة التي شربتموها قبل نزولكم إلى هناك " .
قال آخر :
" هاني إذا كنت تريد أن ترى أشباحا فعلا فيجب ألا تشرب أي شيء قبل وجودك في هذه الأماكن حتى تعرف إذا كان ما ترى حقيقة أم خيالا ، وعموما إذا أردت أن ترى أشباحا حقيقية فما عليك سوى دخول قصر البارون ، فالجميع يعلم أنه مسكون بشبح ابنة البارون التي كانت ترى الشيطان في بدروم القصر ، حيث حبسها والدها بعد إصابتها بالشلل ، هناك سترى الأشباح بحق ، ولن يكون أي مجال للخلط بينها وبين البشر " .
قال هاني في كبرياء زائفة :
" نعم هذا ما سوف أفعله .. سوف أحاول الدخول إلى قصر البارون غدا ليلا من منكم يريد الذهاب معي ؟ "
وافق بعض أصحابه على الذهاب معه إلى هناك ليلة الغد ، وأخذدوا يسخرون مما سوف يشاهدونه هناك ، ومما قد يكون موجودا هناك بالفعل .
تحضر هاني جيدا لتلك الليلة ، أخذ معه بطارية وبعض الشمع والثقاب ، ولم يقرب البيرة أو أي شراب ذلك اليوم أبدا .. وأخذ معه هاتفه الجوال الذي يستطيع من خلاله تصوير بعض مشاهد الفيديوفائقة الجودة ، وتقابل الأصدقاء في الموعد المحدد عند القصر .
كان الموعد في الثانية عشرة ليلا ، أتى هاني مع أحد الأصدقاء في سيارته بينما أتى الآخران في سيارتهم .
ركنوا السيارتين في مكان بعيد عن فندق البارون وذهبوا إلى القصر المظلم من الداخل تماما .
داروا جميعا حول القصر ليستطلعوا الحراسة الموجودة حوله ، وجدوا الحراسة بسيطة ، مكونة من مجرد حارسين يجلسان حول نار أشعلاها للتدفئة في برد الليل القارص في ذلك الوقت من العام .
تسللوا إلى داخل الحديقة الخارجية للقصر وحاولوا دخول القصر من أحد أبوابه ، لكنهم اكتشفوا أن الباب مغلق بالمفاتيح ، داروا حول القصر بهدوء شديد دون التفوه بكلمة واحدة ، بل اكتفوا بالإشارة لبعضهم بعضا ، علهم يجدون أي باب آخر مفتوحا للدخول منه ، لكنهم لم يجدوا أي شيء .
تجمعوا في مكان بعيد عن الحارسين وقال هاني :
" المغامرة هكذا ستفشل ، ماذا علينا أن نفعل لكي ندخل إلى القصر ؟ "
قال أحد الأصدقاء :
" لا أعرف ! ربما علينا أن نقتل الحارسين ونأخذ منهما مفاتيح القصر " .
قال آخر في سخرية واضحة :
" أنت ذكي جدا .. أتعرف هذا .. ؟ هل نقتل شخصين لمجرد القيام بمغامرة مع الأشباح ، لما لا نسرق بنكا أيضا لمجرد المغامرة ؟! "
قال هاني :
" عندك حق .. لا يجب أن نتمادى إلى هذا الحد .. ربما يمكننا أن نضربهما أو نقيدهما ونأخذ المفاتيح وندخل ثم نخرج دون أن نصيبهم بالضرر " .
قال آخر :
" وماذا لو تعرفا علينا بعد ذلك وتم القبض علينا ؟ من رأيي أن ننهي المغامرة اللعينة عند هذ الحد ، ونبحث لأنفسنا عن مغامرة أخرى " .
" لا .. أنا لن أنهى هذه المغامرة دون الدخول إلى القصر ورؤية مل بداخله من أشباح " .
قال صديق آخر :
" يمكن أن نذهب إلى الحارسين ونعطيهما بعض المال لعلهما يسمحان لنا بالدخول ، فغالبا لا يوجد بالداخل ما يخافان على سرقته أو ضياعه ، والحراسة هنا لمجرد التأكد من أن القصر يظل خاليا ولا يدخله اللصوص أو الإرهابيون للإختفاء بداخله " .
لاقت تلك الفكرة استحسان الجميع ، وتوجهوا إلى الحارسين اللذين فزعا لوجود عدد من الشباب ضعف عددهما بالمكان ، وربما كان ذلك ما دفع الحارسين للموافقة على فتح باب القصر لعم بالدخول ، على أن يكون ذلك لمدة نصف ساعة فقط لا غير .
" نصف ساعة كافية لنا لتفقد المكان التاريخي العظيم الذي كنا نتوق لرؤيته منذ زمن بعيد " .
هكذ قال أحد الشباب ورد الباقي وراءه بالموافقة .
يــــتـــبـــع ...